کد مطلب:239511 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:150

الهدف 08
لقد كان من نتائج اختیاره الامام، و البیعد له بولایة العهد - التی كان یتوقعها - : أن أخمد ثورات العلویین فی جمیع الولایات و الامصار . و لعله لم یقم أیة ثورة علویة ضد المأمون - بعد البیعة للرضا، سوی ثورة عبدالرحمان بن أحمد فی الیمن . و كان سببها - باتفاق المؤرخین - هو فقط : ظلم الولاة و جورهم، و قد رجع الی الطاعة بمجرد الوعد بتلبیة مطالبة ..

بل لابد لنا أن نضیف الی ذلك :

أ - : انه لیس فقط أخمد ثوراتهم .. بل لقد حصل علی ثقة



[ صفحه 227]



الكثیرین منهم، و من والاهم، و شایعهم، و الخراسانیون منهم، و یشیر المأمون الی هذا المعنی فی رسالته، التی أرسلها الی عبدالله بن موسی، حیث یقول :

« .. ما ظننت أحدا من آل أبی طالب یخافنی، بعد ما عملته بالرضا » و الرسالة مذكورة فی أواخر هذا الكتاب .. كما أنه كتب للعباسیین فی بغداد فی رسالته، التی أشرنا الیها غیر مرة، یقول لهم : انه یرید بذلك أن یحقن دماءهم، و یذدود عنهم ؛ باستدامة المودة بینهم، و بین العلویین ..

ب: بل و نزید هنا علی ما تقدم : أنه قد بایعه منهم و من أشیاعهم من لم یكن بعد قد بایعه، و هم قسم كبیر جدا، بل لقد بایعه اكثر المسلمین . و دانوا له بالطاعة، بعد أن كانوا مخالفین له ممتنعین عن بیعته، حسبما قدمناه .

و هذه دون شك هی احدی امنیات المأمون، بل هی أجل امنیاته وأغلامها .

ج : قال ابن القفطی فی معرض حدیثه عن عبدالله بن سهل ابن نوبخت :

« .. هذا منجم مأمونی، كبیر القدر فی صناعته، یعلم المأمون قدره فی ذلك . و كان لا یقدم الا عالما مشهودا له، بعد الختیار ..

و كان المأمون قد رأی آل أمیر المؤمنین، علی بن أبی طالب متخشین، تخفین، من خوف المنصور، و من جاه بعده من بنی العباس . و رأی العوام قد خفیت عنهم أمورهم بالاختفاء ؛ فظنوا ما یظنونه بالانبیاء، و یتفوهون بما یخرجهم عن الشریعة، من التغالی ..

فأراد معاقبة العامة علی هذا الفعل ..



[ صفحه 228]



ثم فكر : أنه اذا فعل هذا بالعوام زادهم اغراء به؛ فنظر نظرا دقیقا، و قال : لو ظهروا للناس، و رأوا فسق الفاسق منهم، و ظلم الظالم، لسقطوا من أعینهم، و لا نقلب شكرهم لهم ذما ..

ثم قال : اذا أمرناهم بالظهور خافوا، و استتروا، و ظنوا بنا سوءا، و انما الرأی : أن نقدم أحدهم، و یظهر لهم اماما، فاذا رأوا هذا أنسوا، و ظهروا، و أظهروا ما عندهم من الحركات الموجودة فی الآدمیین ؛ فیحقق للعوام حالهم، و ما هم علیه، مما خفی بالاختفاء ؛ فاذا تحقق ذلك أزلت من أقمته، و رددت الأمر الی حالته الاولی ..

و قوی هذا الرأی عنده، و كتم باطنه عن خواصه .. و أظهر للفضل ابن سهل : أنه یرید أن یقیم اماما من آل أمیرالمؤمنین علی صلوات الله علیه .

و فكر هو و هو، فیمن یصلح، فوقع اجماعهما علی الرضا، فأخذ الفضل بن سهل فی تقریر ذلك، و ترتیبه و هو لا یعلم باطن الأمر . و أخذ فی اختیار وقت لبیعة الرضا ؛ فاختار طالع السرطان، و فیه المشتری الخ » [1] .

ثم ذكر أن عبدالله بن سهل أراد اختبار المأمون ؛ فأخبره أن البیعة لا تتم اذا وقعت فی ذلك الوقت ؛ فهدده المأمون بالقتل ان لم تقع البیعة فی ذلك الوقت بالذات، لأنه سوف یعتبر أنه هو الذی أفسد علیه ما كان دبره الخ...

و ابن القفطی هنا، لا یبدو أنه یعتبر الامام الرضا (ع) من أولئك الذین یرید المأمون اظهار تفاهاتهم للناس، و لكنه یوجه نظره الی بقیة



[ صفحه 229]



العلویین فی ذلك.. و نحن ان كنا نستبعد من المأمون ما ذكره ابن القفطی هنا لكننا لا نستطیع أن نعتبر أن هذا كان من الأسباب الرئیسیة لدی المأمون، اذ لا نعتقد أن المأمون كان من السذاجة بحیث یجهل أن بقیة العلویین لم یكونوا - اجمالا - علی الحاق التی كان یرید أن یظهرهم علیها للناس، و أنهم كانوا أكثر تدینا و التزاما من أی فئة اخری علی الاطلاق ..

هذا ... و لسوف نری أن أحمد أمین المصری یأخذ برأی ابن القفطی هذا . لكنه ینظر فیه الی خصوص أئمة أهل البیت (ع) ، كما سیأتی بیانه ، و بیان مدی خطله و فساده فی الفصل التالی . و فیه دلالة علی أن الفضل كان مخدعوعا ، و علی أن المأمون لم یكن مخلصا فیما أقدم علیه ..

د - انه لابد لنا من الاشارة هنا الی أن اكثر ثورات العلویین ، التی قامت ضد المأمون - قبل البیعة للرضا (ع) طبعا - كانت من بنی الحسن ، و بالتحدید من أولئك الذین یتخذون نحلة الزیدیة ، فأراد المأمون أن یقف فی وجههم ، و یقضی علیهم ، و علی نحلتهم تلك نهائیا ، و الی الأبد ، فأقدم علی ما أقدم علیه من البیعة للرضا (ع) بولایة العهد ...

هذا .. و قد كانت نحلة الزیدیة هذه - شائعة فی تلك الفترة، و كانت تزداد قوة یوما عن یوم، و كان للقائمین بها نفوذ واسع، و كلمة مسموعة، حتی ان المهدی قد استوزر یعقوب بن داود، و هو زیدی، و آخاه، و فوضه جمیع امور الخلافة [2] .

و علی حد تعبیر الشبراوی : «... فولاه الوزارة ، و صارت الأوامر كلها بیدیه ، و استقل یعقوب حتی حسده جمیع أقرانه .. » [3] .



[ صفحه 230]



بل كان « لا ینفذ للمهدی كتاب الی عامل ؛ فیجوز، حتی یكتب یعقوب الی أمینه و ثقته بانفاذه .. » [4] .

و قد بلغ من نفوذ یعقوب هذا .. أن قال فیه بشار بن برد أبیاته المشهورة، التی قدمناها، و التی یقول فیها : « ان الخلیفة یعقوب ابن داود » .

و قد سعی بیعقوب هذا الی المهدی : و قیل له : « .. ان الشرق و الغرب فی ید یعقوب، و أصحابه ؛ و انما یكفیه أن یكتب الیهم، فیثوروا فی یوم واحد ؛ فیأخذوا الدنیا .. » [5] .

و ذلك لأنه قد : « أرسل یعقوب هذا الی الزیدیة، و أتی بهم من كل أوب، و ولاهم من امور الخلافة فی المشرق و المغرب كل جلیل، و عمل نفیس، و الدنیا كلها فی یدیه .. » [6] .

و اذا ما عرفنا أن معاونی یعقوب انما كانوا هم : متفقهة الكوفة، و البصرة ، و أهل الشام [7] فاننا نعرف أن الاتجاه الزیدی سوف یؤثر كثیرا، و كثیرا جدا علی الثقافة العامة، و الاتجاهات الفكریة فی ذلك العصر - كما حدث ذلك فعلا .. حتی لقد صرح ابن الندیم بأن : « أكثر علماء المحدثین الا قلیلا منهم، و كذلك قوم من الفقهاء، مثل : سفیان الثوری، و سفیان بن عیینة كانوا من الشیعة الزیدیة .. » [8] .

و قد صرح المؤرخون أیضا : بأن أصحاب الحدیث جمیعهم، قد



[ صفحه 231]



خرجوا مع ابراهیم بن عبدالله بن الحسن، أو أفتوا بالخروج معه [9]

« أما بعد .. فانه قد كان من أمر علی و طلحة و الزبیر ما قد بلغك ؛ فقد سقط الینا مروان فی رافضة أهل البصرة الخ .. » . و مثل ذلك ما فی وقعة صفین لنصر بن مزاحم ص 34 . فالمراد بكلمة رافضة هنا هو ذلك المعنی اللغوی الذی أشرنا الیه ؛ فسمی الشیعة بالرافضة ؛ لأنهم - كما قلنا - رفضوا الانقیاد لأولئك الحكام المتغلبین ..

یقول السید الحمیری علی ما جاء فی دیوانه و غیره - یهجو بعض من اتهمه بالرفض لیقتله المنصور :



أبوك ابن سارق عنز النبی

و أمك بنت أبی جحدر



و نحن علی رغمك الرافضو

ن لأهل الضلالة و المنكر



و لكن قد جاء فی الطبری، مطبعة الاستقامة ج 6 ص 498، و البدایة و النهایة ج 9 ص 330، و مقدمة ابن خلدون ص 198، و مقالات الاسلامیین ج 1 ص 130، و غایة الاختصار ص 134 : أن سبب تسمیة الشیعة : ب «الرافضة» هو أنهم عندما تركوا نصرة زید بن علی فی سنة 122 ه . قال لهم زید : رفضتمونی، رفضكم الله . و هذا كذب راج علی بعض الشیعة أیضا حیث ذكروا و ذكر الطبری فی نفس الصفحة المشار الیها آنفا : أن التسمیة كانت من المغیرة بن سعید، لما رفضته الشیعة.. و كانت قضیته سنة 119 ه .

و لكن الحقیقة هی أن التسمیة بالرافضة كانت قبل سنتی 122 ه و 119 ه . فقد جاء فی المحاسن للبرقی ص 119 طبع النجف، باب الرافضة : أن الشیعة كانوا یشكون الی الباقر المتوفی سنة 114 أن الولاة قد استحلوا دماءهم و أموالهم باسم : «الرافضة» الخ.. و جاء فی میزان الاعتدال طبع سنة 1963 م . ج 2 ص 584 بعد ذكره لاسناد طویل أن الشعبی المتوفی سنة 104 ه . قال لأحدهم : «ائتنی بشیعی صغیر، اخرج لك منه رافضیا كبیرا » ..

و فی كتاب : روض الأخیار المنتخب من ربیع الأبرار ص 40، أن الشعبی قال : « أحبب آل محمد و لا تكن رافضیا، و أثبت وعید الله، و لا تكن مرجئیا .. » . بل لدینا ما یدل علی أن تسمیة الشیعة ب «الرافضة» كان قبل سنة المئة ؛ فقد جاء فی المحاسن و المساوی للبیهقی ص 212، طبع دار صادر و أمالی السید المرتضی ج 1 ص 68 هامش : أنه لما أنشد الفرزدق أبیاته المشهورة فی الامام زین العابدین، المتوفی سنة 95 ه قال عبدالملك بن مروان المتوفی سنة 86 ه للفرزدق : « أرافضی أنت یا فرزدق ؟! » . و علی كل حال : فان ذلك كله قد كان قل قضیتی زید و المغیرة ابن سعید بزمان بعید.@.

و علی كل حال .. فان ما یهمنا بیانه هنا : هو أن المأمون كان یرید



[ صفحه 234]



أن یقضی علی الزیدیة، و یكسر شوكتهم بالبیعة للامام الرضا (ع) بولایة العهد ؛ و لهذا نری أنه قد طبق اللقب، الذی طالما دعا الیه الزیدیة، و اعترف به العباسیون، بل و دعوا الیه فی بدء دعوتهم و دولتهم، ألا و هو لقب « الرضا من آل محمد » ، طبقه علی علی ابن موسی (ع) ؛ فسماه : «الرضا من آل محمد » [10] فأصبحت بذلك حجته قویة علی الزیدیة ، بل لم یعد لهم حجة أصلا . و أصبح یستطیع أن ینام قریر العین ، اذ قد أصبح «الرضا من آل محمد» موجودا ، فالدعوة الی غیره ستكون لا معنی لها البتة. و لسوف تكون مرفوضة من الناس جملة و تفصیلا . وكان ذلك بطبیعة الحال السبب الرئیسی فی اضعاف الزیدیة ، و كسر شوكتهم ، و شل حركتهم .

و الذی ساهم الی حد كبیر فی اضعافهم ، و شل حركتهم ، هو اختیاره الامام (ع) بالذات ، حیث انه الرجل الذی لا یمكن لأحد كائنا من كان أن ینكر فضله ، و علمه ، و تقواه ، و سائر صفاته و مزایاه ، التی لم تكن لأحد فی زمانه علی الاطلاق ، فلیس لهم بعد طریق للاعتراض علیه : بأن الذی اختاره لولایة العهد ، و الخلافة من بعده ، لیس أهلا



[ صفحه 235]



لما أهله له. ولو أنهم ادعوا ذلك لما صدقهم أحد، و لكانت الدائرة حینئذ فی ذلك علیهم، و الخسران لهم دون غیرهم .

فذلكة لابد منها :

هذا .. و لا یسعنا هنا الا أن نشیر الی أن المأمون، لم یخترع اسلوبا جدیدا للتصدی للزیدیة، و الحد من نفوذهم، و كسر شوكتهم : ببیعته للرضا (ع) ؛ اذ أنه كان قد استوحی هذه الفكرة من سلفه المهدی، الذی كان قد استوزر یعقوب بن داود الزیدی، لیحد من نشاط الزیدیة، و یكسر شوكتهم . و كان قد نجح فی ذلك الی حد ما : اذ لا یحدثنا التاریخ عن تحركات زیدیة خطیرة ضد المهدی، بعد استبزاره لیعقوب، و تقریبه للزیدیة، كتلك الأحداث التی حدثت ضد المنصور، و خصوصا ثورة محمد و ابراهیم ابنی عبدالله ..

كما یلاحظ أن تقریب العباسیین للزیدیة فی عصر المهدی، و تسلیطهم علی شؤون الدولة و اداراتها، لم یؤثر فی الوضع العام أثرا یخشاه العباسیون، و ذلك بلا شك مما یشجع المأمون علی الاقدام علی ما كان قد عقد العزم علیه، بجنان ثابت و ارادة راسخة ..

یضاف الی ذلك : أن سهولة ابعاد العباسیین لهم عن مراكز القوة، و مناصب الحكم علی ید المهدی نفسه، الذی نكب یعقوب بن داود، الوزیر الزیدی، حیث لم تصاحبه ردة فعل، و لا نتج عنه أیة حادثة تذكر ضد العباسیین، لا حقیرة، و لا خطیرة .. هو الذی شجع المأمون علی أن یستوحی نفس الفكرة، و یلعب نفس اللعبة، و یتبع نفس طریقة المهدی . فی مواجهتهم، و كسر شوكتهم، بالبیعة للرضا (ع) بولایة العهد بعده .



[ صفحه 236]



و علی كل حال، فان هذا اسلوب قدیم اتبعه العباسیون فی دعوتهم الاولی أیضا ، حیث بایعوا للعلویین، و أظهروا أن الدعوة لهم و باسمهم .. ثم كانت النتیجة هی ما یعلمه كل أحد، حیث انقلبوا علیهم یوسعونهم قتلا و عسفا، و تشریدا عندما خافوهم، و لم یعودوا بحاجة الیهم ..

ه - : أضف الی ما تقدم أن المأمون كان یعلم قبل أی شخص آخر بطبیعة العلاقات التی كانت قائمة بین الأئمة (ع)، و بین الزیدیة، حیث انها كانت علی درجة من السوء و التدهور . و كان عدم التفاهم، و الانسجام فیما بینهم واضحا للعیان .. حتی لقد شكی الائمة (ع) منهم، و صرحوا: بأن الناس قد نصبوا العداوة لشیعتهم، أما الزیدیة فقد نصبوا العداوة لهم أنفسهم [11] ، و فی الكافی روایة مفادها : انه (ع) قال انهم قبل أن یصلوا الی الحكم كانوا لا یطیعونهم فكیف تكون حالهم معهم لو أنهم وصلوا الی الحكم و تبوءوا كرسی الرئاسة .



[ صفحه 237]



و قد رأینا : أن عبدالله بن الحسن، عندما جاء یعرض علی الامام الصادق (ع) كتاب أبی سلمة، الذی یدعوه فیه للقدوم الی الكوفة، لتكون الدعوة له، و باسمه ؛ فنهاه الامام (ع) عن ذلك - رأیناه - ینازع الامام الصادق و الكلام ؛ حتی قال له :

« والله، ما یمنعك من ذلك الا الحسد الخ .. » و قد انصرف عبدالله آخر الأمر مغضبا [12] .

و رأینا أیضا أنه فی موقف آخر له مع الامام الصادق (ع) یتهمه بنفس هذه التهمة، و یصمه بعین هذه الوصمة، و ذلك عندما أرادوا البیعة لولده محمد، و أبدی الامام (ع) رأیه فی ذلك.. ذلك الرأی الذی كشفت الأیام عن صحته و سداده [13] .

بل لقد كان عیسی بن زید یقول لمحمد بن عبدالله : « .. من خالفك من آل أبی طالب، فأمكنی أضرب عنقه .. » [14] و قد تجرأ عیسی هذا أیضا علی الامام الصادق بكلام لا نحب ذكره ..

و أما موقف محمد بن عبدالله نفسه مع الامام الصادق (ع)، فأشهر من أن یذكر ، حیث انه سجن الامام (ع)، و استصفی أمواله، و أسمعه كلاما قاسیا، لا یلیق بمقام الامام و سنه [15] .



[ صفحه 238]



الی آخر ما هنالك مما یدل علی كرههم، و حقدهم علی الائمة (ع)، أو بالاحری حسدهم لهم ..

و المأمون .. كان یعلم بذلك كله، و یدركه كل الادراك، و لهذا فاننا لا نستبعد أنه - و هو الداهیة الدهیاء - قد أراد أیضا فی جملة ما أراد : أن یوقع الفتنة بین آل علی أنفسهم. أی : بین الأئمة، و المتشیعین لهم، و بین الزیدیة، و یقف هو فی موقف المتفرج المتربص، حیت اذا أضعف كل واحد من الفریقین الفریق الآخر، و لم یعد فیهما بقیة .. انقض هو علیهما، و قضی علیهما بأهون سبیل ..

بل ان بعض الباحثین یری : أنه أراد من لعبته هذه : « .. ضربا للثائرین العلویین من اخوة علی بن موسی بأخیهم» [16] .

ولو اننا استبعدنا كل ذلك، فلا أقل - كما قلنا - من أن حجته أصبحت قویة علی الزیدیة، و علی كل من یدعو الی «الرضا من آل محمد »، و لم یعد یخشی أحدا منهم، بعد أن أصبح « الرضا من آل محمد» موجودا ..


[1] تاريخ الحكماء ص 222 ،221.

[2] البداية و النهاية ج 147 / 10 ، و غيره من كتب التاريخ؛ فراجع فصل : مصدر الخطر علي العباسيين.

[3] الاتحاف بحب الأشراف ص 112.

[4] الطبري ج 486 / 10، و الكامل لابن الأثير ج 60 / 5، و مرآة الجنان ج 418 / 1.

[5] الكامل لابن الأثير ج 67 ،66 / 5.

[6] الطبري ج 508 / 10، طبع ليدن، و الوزراء و الكتاب للجهشياري ص 158، و الكامل لابن الأثير ج 66 / 5.

[7] الطبري، طبع ليدن ج 486 / 10.

[8] الفهرست لابن النديم ص 253.

[9] مقاتل الطالبيين ص 377، و غيرها من الصفحات، و غيرها من الكتب .. و يري بعض أهل التحقيق : أن المقصود هو جميع أصحاب الحديث في الكوفة .. و لكن الظاهر أن المراد : الجميع مطلقا، كما يظهر من مراجعة مقاتل الطالبيين و غيره ..

و الأمر الذي تجدر الاشارة اليه هنا : هو أن فرقة من الزيدية، و فرقة من أصحاب الحديث، قد قالوا بالامامة علي النحو الذي يقول به الشيعة الامامية، عندما جعل المأمون « الرضا عليه السلام » وليا لعهده . لكنهم بعد وفاة الرضا عليه السلام رجعوا عن ذلك : قال النوبختي في فرق الشيعة ص 86 :

« .. و فرقة منهم تسمي « المحدثة » كانوا من أهل الارجاء، و أصحاب الحديث، فدخلوا في القول بامامة موسي بن جعفر، و بعده بامامة علي بن موسي، و صاروا شيعة ؛ رغبة في الدنيا و تصنعا . فلما توفي علي بن موسي عليه السلام رجعوا الي ما كانوا عليه ..

و فرقة كانت من الزيدية الأقوياء، و البصراء، فدخلوا في امامة علي بن موسي (ع)، عندما أظهر المأمون فضله، و عقد بيعته ؛ تصنعا للدنيا، و استكانوا الناس بذلك دهرا . فلما توفي علي بن موسي (ع) رجعوا الي قومهم من الزيدية .. »

و قد تقدم قول الشيبي : انه قد التف حول الرضا (ع) « المرجئة، و أهل الحديث، و الزيدية، ثم عادوا الي مذاهبهم بعد موته .. » و غير ذلك ..

و الذي نريد أن نقوله هنا هو : أن « الارجاء دين الملوك »، علي حد تعبير المأمون ( علي ما نقله عنه في ضحي الاسلام ج 326 / 3 (، نقلا عن طيفور في تاريخ بغداد .. و في البداية و النهاية ج 276 / 10 : أن المأمون قال للنضر بن شميل : ما الارجاء ؟ . قال : « دين يوافق الملوك، يصيبون به من دنياهم، و ينقصون به من دينهم » قال : صدقت الخ .. و ليراجع كتاب بغداد ص 51.

و عمدة القول بالارجاء (القديم) هو : المغالاة في الشيخين، و التوقف في الصهرين ؛ فالارجاء و التشيع، و خصوصا القول بامامة موسي بن جعفر، و ولده علي الرضا علي طرفي نقيض و من هنا كانت المساجلة الشريعة بين المأمون المظهر لحب علي و ولده، و ابن شكلة المرجي، يقول المأمون معرضا بابن شكلة :



اذا المرجي سرك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته



فجدد عنده ذكري علي

و صل علي النبي و آل بيته



أما ابن شكلة فيقول معرضا بالمأمون :



اذا الشيعي جمجم في مقال

فسرك أن يبوح بذات نفسه



فصل علي النبي و صاحبيه

و زيريه و جاريه برمسه



راجع : مروج الذهب ج 417 / 3، و الكني و الألقاب ج 331 / 1.

و بعد هذا .. فانه لمن غرائب الامور حقا، الانتقال دفعة واحدة من القول بالارجاء الي التشيع، بل الي الرفض ( و هو الغلو في التشيع حسب مصطلحههم، و الذي يتمثل بالقول بامامة الأئمة الأثني عشر عليهم السلام ) . و أغرب من ذلك العودة الي الارجاء بعد موت علي الرضا عليه السلام ..

و هذا ان دل علي شي ء ؛ فانما يدل علي مدي تأثير السياسة و المال في هؤلاء الذين أخذوا علي عاتقهم - بادعائهم - مسؤولية الحفاظ علي الدين و الذود عن العقيدة ؛ فانهم كانوا في غاية الانحطاط الديني، يتلونون - طمعا بالمال و الشهرة - ألوانا ؛ حتي ان ذلك يحملهم علي القول بعقيدة ، ثم القول بضدها ، ثم الرجوع الي المقالة الاولي ، اذا رأوا أن الحاكم يرغب في ذلك، و يميل اليه، و لهذا سموا ب «الحشوية»، يعني : أتباع و حشو الملوك، و أذناب كل من غلب، و يقال لهم أيضا ( و هم في الحقيقة أهل الحديث ) : « الحشوية، و النابتة، و الغثاء، و الغثر .. » علي ما في كتاب : تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 80 . و راجع أيضا فرق الشيعة، و رسالة الجاحظ في بني امية، و غير ذلك ..

بل لقد أطلق عليهم المأمون نفسه لفظ «الحشوية» في مناقشته المشهوة للفقهاء و العلماء المذكورة في العقد الفريد و البحار، و عيون أخبار الرضا و غير ذلك..

و قال عنهم الزمخشري في مقام استعراضه للمذاهب و النحل، و معتنقيها :



و ان قلت من أهل الحديث و حزبه

يقولون تيس ليس يدري و يفهم



و يقابل كلمة «الحشوية» كلمة «الرافضة» التي شاع اطلاقها علي الشيعة الامامية .

و معناها في الأصل : جند تركوا قائدهم ؛ فحيث ان الشيعة لم يكونوا قائلين بامامة أولئك المتغلبين، سموهم ب «الرافضة» ؛ و لذا جاء في تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 161 : أن معاوية كتب الي عمرو بن العاص :

**صفحه=233

[10] راجع : الفخري في الآداب السلطانية، ص 217، و ضحي الاسلام ج 3 ص 294، و البداية و النهاية ج 10 ص 247، و الطبري، و ابن الأثير، و القلقشندي، و أبوالفرج ، و المفيد و كل من تعرض من المؤرخين لولاية العهد .. بل لقد صرح نفس المأمون بذلك في وثيقة ولاية العهد، و هذا يكفي في المقام .. و لقد قال دعبل :



أيا عجبا منهم يسمونك الرضا

و يلقاك منهم كلحة و غضبون



و هناك نصوص اخري مفادها : أنه سمي الرضا ؛ لرضا أعدائه، و أوليائه به .

و عزا الشيبي في كتابه : الصلة بين التصوف و التشيع ص 138: - عزا - رضا أعدائه به الي قوة شخصيته عليه السلام .. أما نحن فنقول : انه ليس من اليسير أبدا ، أن تنال شخصية رضا كل أحد ، حتي أعدائها .. اللهم الا اذا كان هناك سر الهي، اختصت به تلك الشخصية، دون غيرها من سائر بني الانسان.

[11] راجع : الوافي للفيض ج 1 ص 143، باب : الناصب و مجالسته ..

هذا .. و لا يمنع ذلك ما ورد عنهم عليهم السلام من أن خروج الزيدية و غيرهم علي الحكام يدرؤ به عنهم، و عن شيعتهم : فقد جاء في السرائر قسم المستطرفات ص 476 أنه : « ذكر بين يدي أبي عبدالله من خرج من آل محمد (ص) ؛ فقال عليه السلام : لا أزال أنا و شيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد الخ .. » . و ذلك لأن اصطدامهم مع الحكام كان يصرف أنظار الحكام اليهم، و يفسح المجال أمام أهل البيت و شيعتهم الي حد ما . و لم يكن هناك مجال لاتهام الأئمة و شيعتهم بالتواطؤ معهم، مع ما كان يراه الحكام من عدم الانسجام الظاهر بين الأئمة و بين الزيدية، و غيرهم من الثائرين و سلبية كل فريق منهما تجاه الآخر ..

و أخيرا .. فلابد لنا هنا من الاشارة الي أن ثورات العلويين، سواء علي الحكم الاموي، أو الحكم العباسي، قد ساهمت في أن يبقي حق العلويين في الحكم محتفظا بقوته و حيويته في ضمير الامة، و وجدانها . و لم تؤثر عليه حملات القمع و التضليل، التي كان الحكم القائم آنذاك يمارسها ضدهم، و ضد هذا الحق الثابت لأهل البيت عليهم السلام بالنص.

[12] راجع : مروج الذهب ج 3 ص 355 ،354، و غيره من المصادر.

[13] الصواعق المحرقة ص 121، و ينابيع المودة للحنفي ص 361 ،332، و مقاتل الطالبيين ص 270 ،256 ،255، و غير ذلك .. و في هذا الأخير: أن عبدالله ابن الحسن لم يرض باستدعاء الامام، و لا وافق عليه، عندما أرادوا البيعة لولده محمد، و بعد أن أقنعوه، و حضر الامام، جري بينهما ما جري.

[14] قاموس الرجال ج 7 ص 270.

[15] قاموس الرجال ج 7 ص 270، و ج 8 ص 243 ،242، و البحار ج 47 ص 258 ،284.

[16] هو الدكتور كامل مصطفي الشيبي في كتابه : الصلة بين التصوف و التشيع ص 219.